لابد للباحث من الموضوعية والتجرد
2024-03-17

إن من الطبيعي أن من لم يألف الثقافة الشيعية، وعاش‌ الثقافة السنية وألفها، سيُصدم عند الرجوع ‌للمصادر الشيعية، خصوصاً في الأمور المذهبية الحساسة، التي يحمل لها في نفسه قدسية واحتراماً. فإن ما تتضمنه المصادر الشيعية من ذلك وإن وجد متفرقاً في المصادر السنية، أو وجدت له شواهد فيها، إلا أنه ليس بحيث يلتفت إليه في خضمّ الكثرة الكاثرة من‌ الأحاديث والمسلمات الموروثة عند السنة.

ومن هنا فاللازم التثبت عند الرجوع للمصادر الشيعية وعدم التسرع ‌في الإنكار والاستبشاع عند الاطلاع على بعض ما تتضمنه، لأن ذلك كله يبتني على أصول ‌مؤصلة، قد أتعب الشيعة أنفسهم في الاستدلال عليها، وذكر الشواهد لها من مصادر سنية وغيرها، في مسيرة طويلة شاقة، من أحاط بها وخرج منها يهون عليه سماع ما تتضمنه مصادرهم مما يخالف مسلماته وموروثاته، ولا يفاجأ بها، ولا يُصدم.

ولا نريد بذلك أن ندّعي صحة جميع ما يذكره ‌الشيعة، إذ لا موجب‌ لتعجل الأمور قبل أوانها. بل كل ما نريده ‌عدم تعجل الإنكار والاستبشاع، والانتظار بهما حتى يطّلع على أصول الشيعة وأدلتهم وتُستَوعب، ثم ليختار المنصف لنفسه بعد ذلك ما يحلو له، ويقتضيه وجدانه وبرهانه الذي يراه مقنعاً أمام الله سبحانه وتعالى ومعذراً بين يديه. فإن المهم ‌إرضاؤه جل شأنه والخروج عن المسؤولية معه، وهو نعم الرقيب والحسيب. ولا أهمية لإرضاء الناس أو إسكاتهم. كما لا يغني إرضاء العواطف وإشباع الرغبات. فإن أمد ذلك كله قصير، وهو صائر إلى زوال، وبعد ذلك الحساب‌ العسير، ثم الخلود في الجنة أو في النار.

 

 

في رحاب العقيدة، ج ١، السيد محمد سعيد الحكيم، ص ٣١